كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أجيب: بأن أصحاب الشمال إذا طالعوا كتابهم وجدوه مشتملًا على المهلكات العظيمة والقبائح الكاملة فيستولي الخوف على قلوبهم ويثقل لسانهم فيعجزون عن القراءة الكاملة وأمّا اصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك، لا جرم أنهم يقرؤون كتابهم على أحسن الوجوه ثم لا يقنعون بقراءتهم وحدهم بل يقول القارئ لأهل المحشر: {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [الحاقة] جعلنا الله تعالى وجميع أحبابنا منهم. ثم قال الله تعالى: {ومن كان} منهم {في هذه} أي: الدار {أعمى} أي: ضالًا يعمل في الأفعال فعل الأعمى في أخذ الأعيان لا يهتدي إلى أخذ ما ينفعه وترك ما يضرّه ولا يميز بين حسن وقبيح {فهو في الآخرة أعمى} أي: أشدّ عمى مما كان عليه في هذه الدار لا ينجح له قصد ولا يهتدي لصواب ولم يقل تعالى أشدّ عمى كما يقال في الخلق اللازمة لحالة واحدة مثل العور والحمرة والسواد ونحوها لأن هذا مراد به عمى القلب الذي من شأنه التزايد والحدوث في كل لحظة شيئًا بعد شيء. {وأضلّ سبيلًا} لأنّ هذه الدار دار الاكتساب والترقي في الأسباب، وأمّا تلك فليس فيها شيء من ذلك. وقال عكرمة: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل عن هذه الآية فقال: اقرؤوا ما قبلها فقرؤوا: {ربكم الذي يزجي لكم الفلك} إلى قوله: {تفضيلًا}. فقال ابن عباس: من كان أعمى في هذه النعم التي قد رأى وعاين فهو في الآخرة التي لم يعاين ولم ير أعمى وأضلّ سبيلًا، وعلى هذا فالإشارة في قوله هذه إلى النعم المذكورة في الآيات المتقدّمة، وحمل بعضهم العمى الثاني على عمى العين والبصر كما قال تعالى: {ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [الحجر] وقال تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميًا وبكمًا وصمًا} [الإسراء] وهذا العمى زيادة في عقوبتهم. ولما عدّد تعالى في الآيات المتقدّمة أقسام نعمه على خلقه وأتبعها بذكر درجات الخلق في الآخرة وشرح أحوال السعداء أردفه بما يجري مجرى تحذير السعداء عن الاغترار بوسواس أرباب الضلال والانخداع بكلماتهم المشتملة على المكر والتلبيس فقال تعالى: {وإن كادوا} أي: قاربوا في هذه الحياة الدنيا لعماهم في أنفسهم عن عصمة الله تعالى لك. ولما كانت إن هذه هي المخففة من الثقيلة أتى باللام الفارقة بينها وبين النافية بقوله تعالى: {ليفتنونك} أي: ليخالطونك مخالطة تميلك إلى جهة قصدهم لكثرة خداعهم.
واختلف في سبب نزول هذه الآية فروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال قال: وما هنّ قالوا أن لا نجبي في الصلاة بفتح الجيم والباء الموحدة المشدّدة، أي: لا ننحني فيها ولا نكسر أصنامنا إلا بأيدينا، وأن لا تمنعنا من اللات والعزى سنة من غير أن نعبدها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود وأمّا أن تكسروا أصنامكم بأيديكم فذلك لكم وأمّا الطاغية يعني اللات والعزى فإني غير ممتعكم بها» وفي رواية: وحرّم وادينا كما حرّمت مكة شجرها وطيرها ووحشها فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم فقالوا: يا رسول الله إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك فصاح عليهم عمر وقال: أما ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمسك عن الكلام كراهة لما تذكرونه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود فمنعه قريش وقالوا: لا ندعك حتى تلمّ بآلهتنا وتمسها فحدّث صلى الله عليه وسلم نفسه ما عليّ أن أفعل ذلك والله يعلم أني لها لكاره بعد أن يدعوني حتى استلم الحجر فأنزل الله تعالى هذه الآية. وروي أنّ قريشًا قالوا له: اجعل آية رحمة آية عذاب وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك فنزلت: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} من أوامرنا ونواهينا ووعدنا ووعيدنا {لتفتري} أي: لتقول: {علينا غيره} أي: ما لم نقله {وإذًا} أي: لو ملت إلى ما دعوك إليه {لاتخذوك} أي: بغاية الرغبة {خليلًا} أي: لوالوك وصافوك وأظهروا للناس أنك موافق لهم على كفرهم وراض بشركهم ومن يكن خليل الكفار لم يكن خليل الله تعالى، ولكنك أبصرت رشدك فلزمت أمر الله واستمروا على عماهم إتمامًا لتفضيلنا لك على كل مخلوق.
{ولولا أن ثبتناك} أي: على الحق بعصمتنا إياك {لقد كدت} أي: قاربت {تركن} أي: تميل {إليهم} أي: إلى الأعداء {شيئًا} أي: ركونا {قليلًا} لمحبتك في هدايتهم وحرصك على منفعتهم ولكنا عصمناك فمنعناك أن تقرب من الركون فضلًا من أن تركن إليهم لأنّ كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لثبوت غيره تقول لولا زيد لهلك عمرو ومعناه أنّ وجود زيد منع من حصول الهلاك لعمرو فكذلك ههنا قوله تعالى: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم} معناه لولا حصل تثبيت الله لمحمد صلى الله عليه وسلم فكان تثبيت الله مانعًا من حصول قرب الركون وهذا صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم مع قوّة الداعي إليها ودليل على أنّ العصمة بتوفيق الله وحفظه.
{إذًا} أي: لو قاربت الركون الموصوف إليهم {لأذقناك ضعف} عذاب {الحياة وضعف} عذاب {الممات} أي: مثلي ما يعذب غيرك في الدنيا والآخرة وكان أصل الكلام عذابًا ضعفًا في الحياة وعذابًا ضعفًا في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ثم أضيفت كما يضاف موصوفها وقيل المراد بضعف الحياة عذاب الآخرة وضعف الممات عذاب القبر، والسبب في تضعيف هذا العذاب أن أقسام نعمة الله تعالى في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أكثر فكانت ذنوبهم أعظم فكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر ونظيره قوله تعالى: {يا نساء النبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب] وقيل الضعف من أسماء العذاب {ثم لا تجد لك} أي: وإن كنت أعظم الخلق وأعلاهم مرتبة وهمة {علينا نصيرًا} أي: مانعًا يمنعك من عذابنا. واختلفوا في سبب نزول قوله تعالى: {وإن} أي: وإن هم {كادوا} أي: الأعداء {ليستفزونك} أي: ليزعجونك بمعاداتهم {من الأرض ليخرجوك منها} فقال ابن عباس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم، فقالوا: يا أبا القاسم إنّ الأنبياء إنما بعثوا بالشأم وهي بلاد مقدسة وكانت مسكن إبراهيم فلو خرجت إلى الشام آمنا بك وأتبعناك، وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم فإن كنت رسول الله فالله يمنعك منهم فعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة وقيل بذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويراه الناس عازمًا على الخروج إلى الشام فيدخلون في دين الله فنزلت هذه الآية فرجع وهذا قول الكلبيّ وعلى هذا فالآية مدنية والمراد بالأرض أرض المدينة.
وقال قتادة ومجاهد: الأرض أرض مكة والآية مكية، همّ المشركون أن يخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكفهم الله تعالى عنه حتى أمره بالهجرة فخرج بنفسه. قال ابن عادل تبعًا للرازي: وهذا أليق بالآية لأنّ ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية وهذا اختيار الزجاج وكثير في التنزيل ذكر الأرض والمراد منها مكان مخصوص كقوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة] أي: من مواضعهم. وقوله تعالى حكاية عن أخي يوسف: {فلن أبرح الأرض} [يوسف] يعني الأرض التي كان قصدها لطلب الميرة. فإن قيل: قال تعالى: {وكأين من قرية هي أشدّ قوّة من قريتك التي أخرجتك} [محمد].
يعني أهل مكة فالمراد أهلها، فذكر تعالى أنهم أخرجوه، وقال تعالى: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} فكيف الجمع بينهما على القول الثاني؟
أجيب: بأنهم هموا بإخراجه وهو صلى الله عليه وسلم ما خرج بسبب إخراجهم وإنما خرج بأمر الله تعالى وحينئذٍ فلا تناقض {وإذًا} أي: وإذا أخرجوك {لا يلبثون خلفك} أي: بعد إخراجك لو أخرجوك {إلا} زمنًا {قليلًا} وقد كان كذلك على القول الثاني، فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته، وعلى القول الأوّل قتل منهم بني قريظة وأجلى بني النضير بقليل. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة بفتح الخاء وسكون اللام والباقون بكسر الخاء وفتح اللام وبعدها ألف، قال الشاعر:
عفت الديار.........

أي: اندرست- خلافهم، أي: خلفهم.
فكأنما بسط الشواطب بينهنّ حصيرا

الشواطب النساء اللاتي يشققن الجريد ليعملن منه الحصير والشطب والشواطب سعف النخل الأخضر يصف دروس ديار الأحبة بعدهم وأنها غير منكوسة كأنما بسط فيها سعف النخل. ولما أخبره بذلك أعلمه أنه سنة في جميع الرسل بقوله تعالى: {سنة} أي: كسنة أو سننا بك سنة {من قد أرسلنا قبلك} أي: في الأزمان الماضية كلها {من رسلنا} أنا نهلك كل أمّة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم، والسنة لله وإضافتها إلى الرسل لأنها من أجلهم ويدل عليه قوله تعالى: {ولا تجد لسنتنا تحويلًا} [الإسراء] أي: تغييرا. ولما قرّر تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الآلهيات والمعاد والنبوّات أردفها بذكر الأمر بالطاعة وأشرف الطاعة بعد الإيمان الصلاة فلذلك قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {أقم الصلاة} بفعل جميع أركانها وشرائطها بحيث تصير كأنها قائمة بنفسها فإنها لب العبادة لما فيها من المناجاة والإعراض عن كل غير، وفناء عن كل سوى، بما أشرق من أنوار الحضرة التي قد اضمحل إليها كل فان، وفي ذلك إشارة عظيمة إلى أنّ الصلاة أعظم ناصر على الأعداء الذين يريدون بمكرهم استفزاز الأولياء ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ثم عين له الأوقات بقوله تعالى: {لدلوك الشمس} في هذه اللام قولان أحدهما أنها بمعنى بعد، أي: بعد دلوك الشمس ومثله قول متمم:
فلما تقرّقنا كأني ومالكًا ** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

والثاني أنها على بابها لأنها إنما تجب بزوال الشمس والدلوك مصدر دلكت الشمس وفيه أقوال أحدها: أنه الزوال وهو قول ابن عباس وابن عمر وجابر وأكثر التابعين ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر» وقول أهل اللغة معنى الدلوك في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة. والثاني أنه الغروب وهو قول ابن مسعود ونقله الواحدي في البسيط عن عليّ رضي الله عنه، وبه قال إبراهيم النخعي والضحاك والسدي وهو اختيار الفراء وكما يقال للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة يقال لها أيضًا إذا غربت دالكة لأنها في الحالين زائلة. قال الأزهري: والثالث أنه من الزوال إلى الغروب وقال في القاموس دلكت الشمس غربت أو اصفرّت أو مالت أو زالت عن كبد السماء فحينئذ في هذه اللفظة دلالة على الظهر والعصر والمغرب من استمعال المشترك في معانيه أمّا في الظهر والمغرب فواضح لما مرّ وأمّا العصر فلأنّ أول وقتها أوّل أخذ الشمس في الاصفرار وأدل دليل على ذلك أنه تعالى غيا الإقامة لوقت العشاء بقوله تعالى: {إلى غسق الليل} أي: ظلمته وهو وقت صلاة عشاء الآخرة والغاية أيضًا هنا داخلة لما سيأتي وقد أجمعوا على أنّ المراد من قوله تعالى: {وقرآن الفجر} أي: صلاة الصبح وهو منصوب قيل على الإغراء، أي: وعليك بقرآن الفجر ورد أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة. وقال الفراء: أنه منصوب بالعطف على الصلاة في قوله تعالى: {أقم الصلاة} والتقدير أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر وحينئذٍ تدخل الصلوات الخمس في هذه الآية. قال ابن عادل كالرازي: وحمل كلام الله تعالى على ما يكون أكثر فائدة أولى انتهى.
وسميت صلاة الصبح قرآنًا لاشتمالها عليه وإن كانت بقية الصلوات أيضًا مشتملة عليه لأنه يطوّل فيها في القراءة ما لا يطوّل في غيرها فالمقصود من قوله تعالى: {وقرآن الفجر} الحث على طول القراءة فيها أكثر من غيرها لأنّ التخصيص بالذكر يدل على كونه أكمل من غيره. ولما كان القيام عن المنام يشق علل مرغبًا مظهرًا غير مضمر لأنّ المقام مقام تعظيم فقال:
{إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} أي: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل، وأوّل ديوان النهار. قال الرازي: ثم أنّ ملائكة الليل إذا صعدت قالت: يا رب إنا تركنا عبادك يصلون لك وتقول ملائكة النهار ربنا إننا أتينا عبادك وهم يصلون فيقول الله تعالى لملائكته: اشهدوا بأني قد غفرت لهم. وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفضل صلاة الجمع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر» ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا} وهذا يدل على أنّ التغليس أولى من التنوير لأنّ الإنسان إذا شرع فيها من أوّل الوقت ففي ذلك الوقت ظلمة باقية فتكون ملائكة الليل حاضرة ثم امتدّت الصلاة بسبب ترتيل القراءة وتكثيرها زالت الظلمة وظهر الضوء وحضرت ملائكة النهار، وأمّا إذا ابتدأ بهذه الصلاة في وقت التنوير فهناك لم يبق أحد من ملائكة الليل فلا يحصل المعنى المذكور فقوله: {كان مشهودًا} يدل على أنّ التغليس أفضل، وأيضًا الإنسان إذا شرع في صلاة الصبح من أوّل هذا الوقت فكانت الظلمة القوية في العالم فإذا امتدّت القراءة ففي أثناء هذا الوقت ينقلب العالم من الظلمة إلى الضوء والظلمة مناسبة للموت والعدم، والضوء مناسب للحياة والوجود، فالإنسان لما قام من منامه فكأنه انتقل من الموت إلى الحياة ومن العدم إلى الوجود ومن السكون إلى الحركة، وهذه الحالة العجيبة تشهد العقول بأنه لا يقدر على هذا التقليب إلا الخالق المدبر بالحكمة البالغة فحينئذ يستنير العقل بنور هذه المعرفة ويتخلص من مرض قلبه، فإن أكثر الخلق وقعوا في أمراض القلوب وهي حب الدنيا والحرص والحسد والتفاخر والتكاثر وهذه الدنيا مثل دار المرضى إذا كانت مملوءة من المرضى والأنبياء كالأطباء الحاذقين والمريض ربما كان قد يقوى مرضه فلا يعود إلى الصحة إلا بمعالجات قوية وربما كان المريض جاهلًا فلا ينقاد للطبيب ويخالفه في أكثر الأمر لأنّ الطبيب إذا كان مشفقًا حاذقًا فإنه يسعى في إزالة ذلك المرض بكل طريق يقدر عليه وإن لم يقدر على إزالته فإنه يسعى في تقليله وفي تخفيفه فلما كان مرض الدنيا مستوليًا على الخلق ولا علاج له إلا بالدعوى إلى معرفة الله سبحانه وتعالى وخدمته وطاعته وهذا علاج شاق على النفوس وقل من يقبله وينقاد له لا جرم أنّ الأنبياء اجتهدوا في تقليل هذا المرض فحملوا الخلق على الشروع في الطاعة والعبودية من أوّل وقت القيام من النوم لأنه مما ينفع في إزالة هذا المرض.